اقدم البنوك التي عرفتها البشرية “إغودار الأطلس الصغير بالمغرب”
على بعد بضعة كيلومترات من مدينة أغادير في الجنوب المغربي، وفي منطقة أشتوكة أيت باها، تطالعك بنايات تقف شامخة تصارع الزمن، لا تعبأ بتقلبات الدهر وصروف الزمن، هذه البنايات التي بقي منها القليل يصارع الموت بفعل الإهمال تسمى ”إغودار” وهي مخازن جماعية عرفتها هذه المنطقة ومناطق أخرى بالأطلس الكبير.
ويعتبر المؤرخون أن هذه البنايات ”إغودار” كانت أول وأقدم نظام بنكي عرفه التاريخ البشري، وتمكن هذه البنايات التي شيدت بجهد جماعي بالأحجار والطوب من طرف الانسان الامازيغي من تخزين الحبوب والمحاصيل الفلاحية وحفظ الزيوت والعسل ،وكذلك الحلي من الذهب والفضة والكتب وأدوات التطبيب والأسلحة وغير ذلك. ويتولى تسيير هذه المخازن التي غالباً ما تحتوي على غرف كثيرة يبنى سقفها بألواح الأشجار وجريد النخل يكون نصيب كل عائلة من عائلات القرى التي تتواجد بها هذه المخازن أكثر من غرفة واحدة يصل طولها في الغالب إلى 8 أمتار، ويضم خزانات للماء وأبراج للمراقبة وغرفة لأمين المخزن الذي يتولى حراسته.
أمين المخازن يشرف على تسيير هذه المخازن الجماعية العريقة رجل يختاره سكان القرية بالتشاور وغالبا ما يكون هذا المسير أو الأمين من سكانها ومن أبنائها، ويقوم أمين المخازن بحفظ وجرد ما أودعه أهل القرية في غرفهم الخاصة التى تتواجد بهذه المخازن مع تطبيق الأحكام الصارمة والطريفة التي كتبت على ألواح خشبية قديمة وتتناقلها الأجيال شفاهيا. هي دستور وقوانين خاصة بتسيير شؤون هذه المخازن. ومن أطرف ما جاء في هذه القوانين قانون يحفظ حقوق الطفل حيث لا يمكن محاكمة أو معاقبة أي طفل صغير إذا تم ضبطه متلبسا بسرقة شيء من هذه المخازن، في حين تنزل أحكام قد تكون في بعض الأحيان قاسية على راشد أو عابر سبيل يسرق من هذه المخازن.
– كما تصون قوانين هذه المخازن حقوق الحيوان ومن أغرب ما جاء في ”دستور” هذه المخازن أن هناك ضريبة خاصة يستخلصها أمين المخازن من سكان القرية وتدعى هذه الضريبة بـ ”نصيب القط”، وتسمى بالأمازيغية ”أغنجا أموش” كون هذا الحيوان الطريف يسهر على قتل الجرذان التي تتلف الحبوب التي تخزن في هذه المخازن. وأمين المخزن يسهر على إطعام هذه القطط من الضريبة التي يستخلصها من السكان والتي غالبا ما تكون من الزبدة واللحم والخبز، كما تذكر الألواح أن أمين المخزن وحده من يستفيد من الحبوب التي تتساقط من غرف المخزن أثناء تخزين المحاصيل الزراعية ووحدها الدجاجات التي يملكها أمين المخزن تستفيد من حق التقاط الحبات المتساقطة من غرف المخزن.