يعد توظيف التراث في الرواية الجزائرية الحديثة من الظواهر المتميزة اللافتة للإنتباه إذ بدى ذلك التفاعل المتناغم بين العناصر التراثية التي زادت الرواية دلالة وعمقا من كل الجوانب الإبداعية فالقارئ للرواية الطرحان يرى جليا احتفاء الروائي بالموروث الثقافي لمنطقة توات الذي يعرف أنواعا،وطبوعا متعددة ومختلفة من الغناء، والرقص الشعبي تدخل ضمن التراث اللامادي لمنطقة توات و” هي جزء من الفلكلور تؤدي في المناسبات الدينية،و غير الدينية وحتى في الأعراس” ونذكر منها رقصة قرقابو، البارود، رقصة الحضرة، وهي كثيرة ومختلفة من قصر إلى قصر ومن منطقة إلى أخرى واخترنا منها نوع من الطبوع الفلكلورية وهو الشلالي الذي وظفه الروائي كثيرا في الرواية وبشكل تصاعدي إلى نهاية الرواية.
فالشلالي يطلق في منطقة توات على نوع من شعر الملحون ويكون موضوعه يندرج ضمن المديح الديني، الغزل بأنواعه، الرثاء، الذم والهجاء، ويقولون أن هذا الطابع جاء من قصر الشلالة من البيض(ولاية من ولايات الجزائر ) وهذا ما يشير إليه الروائي يقول : ” في احدى جلسات الوجد سألت الرجل الدي يسمى الغيواني عن الشلالي وعوالمه فقص علينا حكايته وأنه رجل من قصر الشلالة الظهرانية بالبيض عاش ما بين 1737و1836 وكان كثير الترحال والمغامرات تنقل من البيض ليزور معسكر متليلي، الجزائر، تونس ورحلة حجازية، وعندما زار توات بقي بها عشرون عاما وهناك من زعم أنه بقى فيها يوما وليلة في قرية بوزان وخلال يوم واحد ترك كل أشعاره الغرامية لأتباعه وحفظوها عن ظهر قلب ولعل القول الأول أقرب للصواب. ” الطرحان 31/32
فالسارد الرئيسي السباعي يتذكر من الفينة إلى الأخرى ذكرياته مع الشلالي والذي يجمعه مع أصدقائه وليالي السمر في حانوت العزاب يقول ” وكشف لي بازا فواتح الأنس والزهو على أنغام طبل الشلالي …على أن يقول ” يقنقن بملعقة صغيرة على الخلاط من الكؤوس ويدندن على دندانه (يا زرق الجنحاني وأنا ناوي، توصل زهو عياني وأنا ناوي )” الطرحان ص 26/27
فقد لا تخلو قصبة من القصبات من الفرق التي تؤدي طابع الشلالي هذا ما هو بارز بشكل واضح في كثير من موضع في الرواية، فتوظيف الموروث بشكل لافت ما يسعى إليه الروائي في التجديد في الأساليب الفنية في سبيل تحقيق قالب فني جديد للرواية الجزائرية التي تطورت تطورا كبيرا خلال النصف الثاني من القرن المنصرم.
بما شهدت من تجديد في رؤيتها للواقع الاجتماعي وللفرد الجزائري وانفتاح خطابها الروائي على التراث الإنساني وكذا جعله الموروث الحـــــــامي للشخصية القومية والوطنية وجواز عبور للثقافات والقوميات الأخرى والإنسانية ككل.
فالملاحظ أن طابع الشلالي أو طبل الشلالي كما يحلو لساكنة توات يظهر بشكل تصاعدي ويتحرك مع البطل أين ماحل وارتحل فالسباعي ولد النجوم في رحلته تلك بين حموديا في رقان والفيتنام إلى أن يعود إلى موطنه الأصلي كان يستأنس بالشلالي سواء بالتذكر أو الإنشاد، فأثناء عودته إلى إلى قصر المامون التقى بالياقوت في مدخل القصر أنشدت الياقوت بعدما رأت السباعي “يطير لحمام وين يطير يرجع لوكرو ” الطرحان ص 14
ودار بينهما حوارا شلاليا- إن صح التعبير- بعد أن سألها الســــــــــــــارد من تكونين ” نطقت صدر بيت من أغاني طبل الشلالي ” حبيبك الأول لا تديرعليه آخرين ” تبسمت وأكملت لها العجز ” وما الي بدل محبوبو لا بد يشتاقو ..” الطرحان ص14
وغيرها من الأبيات الشعرية التي تعد من الشلالي التي يتغنون بها إلى اليوم في منطقة توات ” فالموروث الشعبي جزء مهم في تاريخ وثقافة الشعوب وهو الوعاء الذي تستقي منه أصالته ولغتها وأشكال التواصل فيما بينها. “
هذا ما جعل الروائي يذهب به إلى أبعد الحدود في الرواية فالشلالي رافق السباعي للفيتنام كتحفيز للجنود في سهرات، إذ التقى برفيق الصبا الحساني أو رفيق الجوع كما كان يطلق عليه السباعي، بعد فراق دام طويلا منذ تفارقا بسبب الطرحان، فالحساني ذهب لوهران للعمل وامتهن فيها الغناء يقول الســــــــارد ” في سهرت اليوم السابع كانت لي رغبة في سماع الموسيقى، وإذا المغني الذي ينشط السهرة في ذلك اليوم بملامح عربية سمراء … إلى أن يقول تقدم هذا الفنان وبدأ بموال ( داني دان داني …) ظننت للوهلة الأولى أني في حلم … شــــــــرع يردد الأغنية الافتتاحيـــــــة ( دان دان يادان دان يازرق الجناحني وأنا ناوي ) طبل الشلالي في البحر بعد البر ومرحل من الغرب إلى الشرق ” الطرحان ص 211
وكخلاصة لما سبق جدير بنا أن نقول أن عبد الله كروم كان يريد فتح نافدة تعريفية بتوظيفه الموروث الثقافي لمنطقة توات التي تزخر بالعديد من الطبوع والتقاليد الاجتماعية والعادات الضاربة في التاريخ التي ورثها الفرد التواتي أبا عن جد وهي مفعمة بالعمق السوسيولوجي، والروائي هنا بين لنا كيف نحـــافظ على الهوية الثقافية والاجتماعية من خلال البطل السباعي الذي تنقل من مكان إلى آخر دون نسيان الماضي والهوية التواتية التي رحلت معه حتى للمنفى في الفيتنام.
رحو عبد العالي – طالب ماستر نقد حديث ومعاصر جامعة طاهري محمد بشار -الجزائر
المصدر: https://www.raialyoum.com/%D8%B1%D8%AD%D9%88-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%AA%D9%88%D8%B8%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A-%D8%A7/