733749_613700512008655_363694250_n

نسمات من بلادي: عادات تحفيظ القرآن الكريم في منطقة الشلالة قديماً

المدارس القرآنية … بين الإندثار والعصرنة

تلعب الكتاتيب القرآنية بالجزائر أدواراً فعالة في تربية الأجيال الناشئة تربية إسلامية رصينة من خلال تحفيظها القرآن الكريم وعلومه، بالإضافة إلى صونها للمقومات الروحية للمجتمع الجزائري والحفاظ على هويته وخصوصياته.


733749_613700512008655_363694250_n

وتعاني الكتاتيب بالجزائر من تناقص عددها خاصة في البوادي والمناطق الريفية، وتعرض بعضها للاندثار والإهمال، ما يهدد وجودها كدعائم دينية تمد المجتمع الجزائري بالحصانة اللازمة من كل أنواع التغرب.
وتتميز الكتاتيب القرآنية في البلاد بإتباعها جملة من التقاليد في حفظ القرآن الكريم، ومن بينها الحرص على قراءة كتاب الله يوميا.

وتنافس هذه الكتاتيب القرآنية رياضُ الأطفال العصرية التي باتت تنتشر بشكل لافت في كل مناطق البلاد وتحظى بإقبال كثيف على دروسها.
للجزائريين عامة والشلاليين خاصة عاداتٌ راسخةٌ وطرقٌ مُقَننَةٌ في تعليم الأطفال. وفي بعض المناطق خصائصُ مأثورةٌ ومسالكُ متبَعةٌ؛ فحين يبلغ الطفلُ أو الطفلة من أربعَ سنوات إلى ستة يذهبون به إلى معلم القرآن، ويبدأ في تعلم الحروف أو التهَجِّي، ولا تختلف الحال في باقي مناطق الوطن الجزائري وبلاد المغرب العربي فالكل هنا وهناك وهنالك يحرص على أن تكون بدايات تعلم الأطفال موفقة ويختار لها من التجارب أحسنها ومن المعاني ألطفها؛ فهي فترة حاسمة في حياة الطفل أو الطفلة.
كان في قصر الشلالة العتيق كتاب واحد لتعلم القرآن الكريم والدين ومبادئ القراءة والكتابة والخط والحساب ويشرف عليها شخص يسمى (الطالب) ويضع معه عند الحاجة من يساعده في أداء المهمة اهتمت الجزائر بالتعليم منذ القدم وبعد الاستقلال وكانت بداية التعليم قديما عن طريق هذه الكتاتيب التي يرجع لها الفضل في نشر العلم في دول المغرب العربي قديما بالرغم من بدائيه التعليم في الكتاتيب ولقد انتشرت الكتاتيب في مختلف أنحاء البلاد والتحق بها الصبية والبنات لتعلم مبادئ الحساب وحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية وتدار هذه الكتاتيب بواسطة (الطالب) وهو بمثابة المعلم في الوقت الحالي وهي مهنة توارثوها العاملين بها عن آبائهم وأجدادهم.

قديماً كانت المدرسة القرآنية بمثابة المدرسة التعليمية حيث كانت تعلم مبادئ القراءة والهجاء والحساب لكن في الوقت الحالي يقتصر فتح جل الكتاتيب في فصل الصيف وهناك كتاتيب تعمل بعد وقت الخروج من المدرسة.

ونلاحظ من أمام كل ولد أو طالب كبير أو قديم أداة تسمى (المرفع) خشبتان على شكل x يوضع عليها القرآن الكريم تستعمل في حمل المصحف ويدل هذا على أن الولد قد بلغ حفظه من القرآن الكريم 30 حزباً فما فوق، ويتم تدريس وتلقين القرآن الكريم في ومنها “اللوح” التي يجهزها كل ولي أمر لابنه وهي قطعة من الخشب مدهون بنوع من الطين اللزج يسمى بـ “الصلصال” لكي يكتب علية حروف الهجاء و إذا حفظ الولد السورة يتم غسلها من قبل الصبي لكي يتم كتابة السورة التالية على “اللوح” وتتم كتابة السور والآيات الكريمة على “اللوح” عن طريق “القلم” وهو عبارة عن قطعة قصبية صغيرة كالقلم و”الدواية” وهي كالحبر الأسود توضع في قارورة صغيرة لتغلق بعد الإستعمال لكي لا تجف ويتم صنع “الدواية” من صوف الغنم أو ما يسمى بـ “السمق” حيث يتم حرق الصوف وخاصة الملوث ببراز الغنم ليعطي “للدواية” لوناً أسوداً قاتم وما وما يستخلص من الحرق يتم غليه بالماء في إناء صغير حتى يصير اللون بنياً و أسوداً.

والكتاتيب آنذاك هي عبارة عن منزل صغير قديم يملكه ((الطالب)) أو يستأجره بأبخس الأثمان ويجهزه بأنواع بدائية من الأثاث واللوازم مثل الحصر للجلوس عليها أو الزربية، وفي وقتنا الحاضر توجد كتاتيب تابعة للمساجد حيث تجد لكل مسجد كتاب خاص به قد تجده عصرياً على الذي عهدناه في السابق.

وكان الناس يأتون بأولادهم إلى تلك المدارس فيقومون بإكرام (الطالب) ببعض من المال أو أن (الطالب) يحدد يوماً يطلب فيه من كل ولد أو فتاة بإحضار مبلغ زهيد أو رمزي من المال له وهذا كان بمثابة أجره على تعليم الأولاد.

عند سماع الأولاد لقرعات (الطالب) معلنا نهاية فترة الدراسة يندفعون خارج المدرسة القرآنية مسرعين حاملين معهم أدواتهم ومصاحفهم وأثناء خروجهم يرددون بعض الأناشيد أو الكلمات وهي أناشيد جميلة تعبر عن فرحتهم بإنتهاء الدرس.

آجرادة مالحة و طالبنا جاء … جابلينا نعجة و آليف متنقطش وباء وحدة من لتحتي

للكتاتيب وقت دخول محدد حيث إذا تأخر الولد أو تغيب في الالتحاق بالمدرسة القرآنية أو بدرت منه خطيئة فان هذا يعرضه للضرب المبرح أو بما يسمى بالفلقة حيث يقوم ولدين من الطلاب من كبار السن بإحكام قبضة المتغيب أو المخطئ وتمديده على ظهره ورفع رجليه إلى الأعلى ليقوم (الطالب) بضربه أسفل رجليه ضرباً مبرحاً حتى لا يقوى أو يستطيع بعدها المشي ليتذكر ذلك كلما أراد ن يتغيب أو يخطئ.

وكان الأهالي في السابق يؤيدون طريقة (الطالب) في تأديب الولد وعدم تركه لأهوائه ونزواته ويولي (الطالب) الولد الذي حضر لتوه أو الجديد للتعليم إهتماماً خاصا وعناية فائقة حتى يلحق بباقي زملائه وأقرانه في السن في السور أو الحزب، كما يسترعي الولد الجديد إنتباه الدراسين فيعملون على مساعدته وتدريبه على حفظ الآيات.

وإذا تغيب أحد الاولاد عن الدرس دون عذر معروف يختار المطوع ثلاثة من الأولاد أكبرهم سنا ويرسلهم في البحث عن الولد لإحضاره إلى المدرسة القرآنية ويذهبون للبحث عنه في منزله ومنزل أقاربه وفي الساحات وأماكن اللعب واللهو أو في أماكن صيد الطيور في البر،
وعندما يشاهدونه ينقضون عليه ويحملونه من يديه ورجليه أو مرات يعطيهم (الطالب) كيساً كبيراً مصنوعاً من الخيوط أو ما يسمى بـ “شكارة الخيشة” ليضعون به الولد الهارب أو لمتغيب ويذهبون به إلى (الطالب) الذي يذيقه أشد العقاب، أما عن طرق العقاب فقد كانت شديدة ومبرحة للغاية، لكون (الطالب) قد اتخذ الضوء الأخضر من ولي الأمر عندما قام
بتسليمه إليه، حيث يقول الأب للمطوع:”خذ اللحم وعطنا العظم”، أي بمعنى أن هذا الولد محض تصرفك بمعاقبته إلا أن يأتينا بنتيجة مرضية تسر ويصبح هذا الولد متعلما.

ففي خلال تلقي التلاميذ الدرس يكون من بينهم المتذمر للدرس والبعض من المشاغبين الذي يصدرون أصوات وحركات تثير الضحك للتلاميذ الآخرين ويقوم هؤلاء الأطفال المشاغبون بإصدار حركاتهم خفية دون مرأى من (الطالب) ولكنه سرعان ما يكتشف هؤلاء المشاغبين فيتم معاقبتهم أمام زملائهم حتى يكون عبرة وعظة للغير، وعند عدم تمكن (الطالب) من اكتشاف التلميذ المشاغب فإن (المطوع) يتوعد ويهدد بمعاقبة الجميع دون استثناء ففي هذه الحالة يستدل البعض و (يفتن) على زميله المشاغب بالتلويح بإصبعه نحوه.

أما طرق التأديب فكانت تتم (بالخيزرانة) وهي في الواقع مبرحة ومؤلمة جدا وتترك آثارا واضحة على الجلد عند الضرب ولقد كانت (الفلقة) هي الوسيلة التي تستخدم في الضرب حيث يؤخذ الطفل ويرغم على أن ينام على ظهره مع رفع رجليه إلى الأعلى وتوضع بينهما (الفلقة) وهي عبارة عن عصى بطرفيها حبل فيتم إدخال الرجلين ما بين العصى والحبل مع لف العصى كي تصبح الرجلين مشدودة وأن من يقوم بلف العصى اثنين من أقران التلميذ أو كبار التلاميذ ثم يتولى (الطالب) العقاب فيتلوى التلميذ من شدة الألم المبرح لدرجة لا يستطيع المشي أما التلاميذ الآخرون فيكونون بأتم السعادة والسرور عندما يشاهدون زميلهم- وهو يضرب و (الخيزرانه) أو (المطرق) بصوتها المميز وهي تؤتي أكلها تماما في منتصف أسفل القدم، ومعاقبة التلاميذ ليس فحسب لمشاغبتهم عند تلقيهم الدروس بل يكون كذلك عندما يتسنى لولي الأمر إبلاغ (الطالب) بأن الطفل قد أحدث مشاغبة في البيت فيقوم (الطالب) بنفس الطريقة السابقة بمعاقبة الطفل ليلقنه درسا حتى يعلن توبته.

يا لها من مناسبة سعيدة تلك على جميع الصبيان فعندما يكمل أحد الصبيان تلاوة القرآن بجميع أجزائه تحت إشراف (الطالب) يطلق عليه (الخاتم) ويقيم إكرامية لـ (الطالب) وزملائه التلاميذ في المدرسة القرآنية حيث يحضر الشاي و مختلف الأكلات الشعبية والمحلية كالمسمن والملوي والمخلع و غالباً ما يكون الرفيس حاضراً أو السفة والتوالي” وبعد الانتهاء من قراءة ما تيسر من القرآن الكريم يتقدم (الطالب) أو أحد كبار التلاميذ ويوزع على طلابه المأكولات بعد أن يأخذ نصيبه منها ليطعم أهله وأقاربه ثم يأمر جميع طلابه بالانصراف إكراما لهذه المناسبة السعيدة.

كتابة وصياغة: (أمينة الشلالية)
ذكرتني هذه الصورة الجميلة بما كان عليه مجتمعنا من عادات في تدريس الأطفال

تعليقات فايسبوك:

تعليقات

عن chellali

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*