تثير مسألة الهوية في افريقيا الشمالية إشكالا عميقا ٬فقد تمّ التعامل مع التاريخ في هذه المنطقة بطريقة انتقائية (التركيز على فترات وحذف أخرى) وكان يفترض أن تتوجّه البحوث التاريخية والعلوم المتّصلة بالتاريخ إلى هذا المجال عوض تكريس حالة الاستلاب التي جعلت بعض الشمال أفريقيين يتنكّرون لذاتهم لعلّ البعض معذور في هذا السياق ٬بسبب غياب شبه تامّ للبحوث والدراسات في هذا الموضوع
وكذلك التاريخ المدرسي والجامعي يمتلئ بالكثير من المغالطات ٬بعضها مقصود وبعضها ساذج وسطحي ٬مثل تقديم الشعب الأمازيغي المستعرب على أنّه شعب عربي (بالمعنى العرقي) مستوطن في هذه البلاد ٬وبذلك تحذف أهمّ حلقات التاريخ الأمازيغي وهي حلقة الاستعراب أي تحوّل الأمازيغ
هي التي أسمّيها العربية كما تكلّمها الأمازيغ ٬وهذه هي العربية الشعبية التي نتكلّمها يوميا في مدننا وأريافنا ٬بلكنة أمازيغية لا تخفى على المتخصّصين في الألسنية ٬وقد انجرّ عن هذه المغالطة توهّم وجود شعبين في أفريقيا الشمالية ٬ليسهل فيما بعد إذكاء روح العداوة والفتنة بينهما .
إذن ٬لقد وقعت مغالطة كبيرة عندما توهّم بعض المستعربين أنفسهم عربا (بالمعنى العرقي) ٬والواقع أنّ الشعب واحد في أصوله وتقاليده وعاداته وإيجابياته وحتّى في سلبياته ٬أمّا العربية فهي لغة رسّخها الإسلام ٬وتعلّق بها الأمازيغ
أطلقت المصادر الفرعونية من نصوص هيروغليفية و منحوتات و رسوم على الامازيغ اسماء عديدة فمن هذه الأسماء التحنو (التمحو) او المشواش أو الامازيغ كما انهم استعملوا كلمة ريبو أو ليبو , و من هذه المعطيات نستنتج أن الأمازيغ هم أول من سكن شمال افريقيا .
وعندما نفحص و نحلل الافكار الشائعة حول الأمازغية و الأمازغيين و الرائجة كبديهيات لا تناقش .سنخلص الى أن القضية الأمازغية بالمغرب (المغرب الاسلامي ) هي قضية الحقيقة بمفهومها الابستمولوجي الذي يعني مطابقة الفكر للواقع .ذلك أن المضامين “المعرفية” المتداولة حول الأمازغية و الأمازغيين .و التي تدرس في المؤسسات التعليمية .وتنشر في الكتب .و تناقش في الندوات و المناظرات. و يستشهد بها في الدراسات و البحوث “الأكادمية”. تشكل كلها أفكار غير مطابقة للواقع. مما لا يجعلها لا تعبر عن الحقيقة بمفهومها الابستمولوجي .
لقد مرت الاف السنين واجه الشعب الأمازيغي تقلبات التاريخ و محاولات الدمج لهذا الشعب الموزع في هذه البلاد الشاسعة التي تبدأ من غربي مصر الى المحيط الأطلنطي .و تمتد الى أعماق الصحراء في النيجر و مالي هذه المنطقة التي تمثل ربع القارة الافريقية ليست كلها ناطقة بالأمازغية . و مع ذلك تظل المجموعات الناطقة بالامازغية معزولة مقطوعة عن بعضها البعض . تمثل المجموعة القبائلية في الجزائر و مجموعة الشلوح في المغرب بضعة ملايين . على عكس الواحات الصحراوية التي تمثل اقاليم شاسعة ولكن عدد الناطقين باللهجات الامازغية فيها قد لا يتعدى أحيانا بضعة ألاف
أنّه من الخطأ الفادح الحديث عن فنّ أمازيغي يقصد به الأمازيغ المحافظون لأنّ الفنون الموجودة عند الناطقين بالأمازيغية هي نفسها الموجودة عند المستعربين وما يوجد يمكن أن نسمّيه فنّا مغاربيا
تقوم في أفريقيا الشمالية اليوم دول ترفع شعار الانتماء إلى العالم العربي ٬وهذه البلاد بعد تقلّبات الزمن وتوالي الأحداث– ظلّت إلى نهاية القرون العتيقة منتمية بالتأكيد إلى الأمّة اللاّتينية – ها هي تتحوّل تحوّلا ثقافيا جذريا مع أنّ هذا التحوّل لم يرافقه تحوّل عرقي هامّ فالشعب هو الشعب ٬وهؤلاء الأمازيغ الذين كان البعض منهم يظنّ أنّه روماني هم أنفسهم الذين يشعر أغلبهم اليوم أنّهم عرب.
كيف يمكن تفسير هذا التحوّل الذي يبدو عميقا ودائما في بعض الجهات الشمال أفريقية ٬مع أنّه لم يشمل كلّ البلاد ٬إلى درجة أنّ بعض الجهات التي تجذّر فيها الإسلام تماما لا تعتبر نفسها عربية بل وتطالب اليوم بترسيم ثقافتها الأمازيغية ؟
ينبغي في المقام الأوّل التمييز ما بين الإسلام والعروبة ومع أنّ الفكرتين إحداهما دينية والآخرى عرقية سوسيولوجية إلاّ أنّهما قريبتان من بعضهما ٬لأنّ الإسلام ظهر بين العرب ونشر من طرفهم في البداية وبالمقابل هناك عشرات الملايين من غير العرب ولا حتّى من المستعربين: الزنوج ٬الأتراك ٬الإيرانيون ٬الأفغان ٬الهنود … ولكنهم من أشدّ المسلمين تمسّكا بالإسلام مع تمسّكهم أيضا بلغاتهم وهوياتهم القومية ٬ألم يكن في إمكان الأمازيغ – على غرار الفرس والأتراك – أن يكونوا مسلمين وأن يحتفظوا في نفس الوقت بثقافتهم وشخصيتهم كما هي ٬بل ويحتفظون كذلك بلغتهم ونظمهم الاجتماعية ٬لعلّ ذلك كان سهلا لأنّهم كانوا أكثر عددا من بعض الشعوب التي حافظت على هويتها ضمن الأمّة الإسلامية ؟
Hamouda kesraoui
المراجع :
الأمازيغ عبر التاريخ نظرة موجزة في الأصول و الهوية
أحاديث هيرودوت عن الليبيين (الامازيغ)
“الظهير البربري” حقيقة أم أسطورة ؟